دراسة للمحامي سمير خلف
نصت المادة /64/ من الدستور بأن الحكومة المستقيلة لا تمارس صلاحياتها بعد استقالتها الا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال ، وهذه الاعمال لم تحدد لا في الدستور ولا في اي قانون خاص ،
وقد تبين بان رئيس الحكومة المستقيل حسّان دياب يتعرض لضغوط سياسية كي تقوم حكومته باعمال لا يحق لها القيام بها اثناء تصريف الاعمال ، مما دعاه بتاريخ 24/3/2021 لاصدار بيان يطالب فيه مجلس النواب تفسير دستوري للمادة /64/ وتحديد الاعمال التي يجوز لحكومته القيام بها ، وقد جاء في هذا البيان ما يلي :
“….. إن الجدل القائم حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال يؤكّد الحاجة إلى تفسير دستوري يحدّد سقف تصريف الأعمال ودور الحكومة المستقيلة …. وإن هذا التفسير هو في عهدة المجلس النيابي الكريم الذي يمتلك حصرًا هذا الحق، كما أكد المجلس نفسه سابقًا….”
وبمراجعة الدستور، لا نجد اي نص يجيز للمجلس النيابي تفسير مواده ، بل ينص على تعديل هذه المواد بطلب من رئيس الجمهورية أو من مجلس النواب (المادتان 76 و 77) ، وما ادلى به الرئيس نبيه بري بتاريخ 8/1/2021 بان تفسير الدستور هو من حق المجلس النيابي فقط دون سواه لا يستقيم حيث لا نص في الدستور يجيز له ذلك ، و يبقى رأيه من قبيل المزايدات السياسية…..
أما بما يتعلق بتفسير”المعنى الضيق لتصريف الاعمال” فهنالك ثلاث تعاميم حددت بموجبها هذه الاعمال ، وهي صادرة عن رؤساء حكومات سابقين نجيب ميقاتي تعميم رقم 10/2013 تاريخ 19/4/2013 و تمام سلام تعميم رقم 20/2016 تاريخ 3/11/2016 وعن سعد الحريري تعميم رقم 21/2018 تاريخ 7/6/2018 وجميعها جاءت بنفس النص والمعنى بما خلاصته :
“1 ــ الاعمال الادارية التصرفية التي لا تدخل في نطاق تصريف الأعمال وهي الاعمال التي ترمي الى احداث اعباء جديدة او التصرف باعتمادات هامة او ادخال تعديل جوهري على سير المصالح العامة وفي اوضاع البلاد السياسية والاقتصادية. وهذه الفئة من الاعمال تخرج بطبيعتها عن نطاق الاعمال العادية, ولا يجوز لحكومة مستقلية, من حيث المبدأ, ان تقوم بها باستثناء ما تعلق منها بتدابير الضرورة التي تفرضها ظروف استثنائية تتعلق بالنظام العام وامن الدولة الداخلي والخارجي وكذلك الادارية الي يجب اجراؤها في مهل محددة بالقوانين تحت طائلة السقوط والابطال.
2 ــ الاعمال الادارية العادية التي تدخل في نطاق تصريف الاعمال. وهي الاعمال الادارية اليومية التي يعود للسلطة الادارية المختصة اتمامها ويتعلق اجراؤها في الغالب على موافقة تلك السلطة وتقوم الوحدات الادارية المختصة بتحضيرها. وهذه الاعمال لا يمارس عليها الوزراء عادة سوى اشراف محدود,
ان اعتماد نظرية “تصريف الاعمال بالمعنى الضيق” في المادة (64) من الدستور من شأنه ان يحد كثيرا من المفهوم المكرس اجتهادا للاعمال الادارية العادية المذكورة اعلاه, وبالتالي فهو يقلص من الاعمال والقرارات التي كان من الممكن اعتبارها تدخل في نطاق تصريف الاعمال، لو لم تحدها المادة (64) من الدستور بالنطاق الضيق,
واستنادا الى احكام المادة (64) من الدستور, فان ما يدخل في نطاق تصريف الاعمال هي تلك القرارات التي من شأنها عدم اتخاذها ان ينتج عنه فراغ كامل او تعطيل لكل اعمال السلطة التنفيذية ووقف لادارة مصالح الدولة العامة,
وكذلك يدخل في نطاق تصريف الاعمال التصرفية التي تجد مبرراتها في حالة الضرورة والظروف الاستثنائية وتأمين الامن والنظام العام وامن الدولة الداخلي والخارجي, وتلك التي يحتمل سقوطها ان لم تتخذ في مهلة محددة بالقوانين.
وان كل عمل او قرار اداري يخرج عن ما تقدم اعلاه, او يتجاوز حدوده, يعتبر باطلا لمخالفته القانون, مع ما يترتب عن ذلك من مسؤوليات على مختلف المستويات….”
وعلى هذا الرأي استقر أجتهاد القضاء الاداري بمجلس شورى الدولة بالقرار رقم 334/614 تاريخ 17/12/1967 حيث قسّم اعمال الحكومة الى ثلاث فئات :
1 – الاعمال العادية الادارية Actes gestion اي الاعمال اليومية التي يعود الى الهيئات الادارية اتمامها …. حيث يجوز للحكومة المستقيلة القيام بها .
2 – الاعمال التصرفية Actes de disposition في الظروف العادية وهي التي ترمي الى احداث اعباء جديدة او التصرف باعتمادات هامة او ادخال تغيير جوهري على سير المصالح العامة …. حيث لا يجوز للحكومة المستقيلة القيام بها ،
3 – الاعمال التصرفية في الظروف الاستثنائية : الاوضاع الاستثنائية التي تتعلق بالنظام العام وبأمن الدولة الداخلي والخارجي تسمح للحكومة المستقيلة باتخاذ تدابير ضرورية تخرج من تصريف الاعمال ….
وعن الظروف الاستثنائية فقد حددها المجلس الدستوري بقراره رقم 7/2014 تاريخ 28/11/2014 حيث جاء فيه بانها الظروف الشاذة الخارقة والتي تهدد السلامة العامة والامن العام في البلاد ومن شأنهما ربما تعريض كيان الامة للزوال ، وهذه الظروف الاستثنائية تعطي شرعية استثنائية غير منصوص عليها لا في احكام الدستور او القواعد ذات القيمة الدستورية … كما ان العرف والفقه حددا “تصريف الاعمال” وما قد يدخل في نطاقه تلك القرارات التي من شأن عدم اتخاذها ان ينتج عنه فراغ كامل لاحد السلطات الدستورية ولا تتصف بالاعمال التصرفية التي تستوجب قرارات تكون ملزمة للحكومة التي ستأتي بعدها ، وذلك عملاً بمبدأ استمرارية العمل في مرافق الدولة خصوصاً وان مصالح الشعب هي بين ايادي هذه المؤسسات…وكما جاء ايضا بتعاميم رؤساء الحكومات السابقين ، كذلك يدخل في نطاق تصريف الاعمال التصرفية التي تجد مبرراتها في حالة الضرورة والظروف الاستثنائية وتامين الامن العام وامن الدولة الداخلي والخارجي ، وتلك التي يحتمل سقوطها ان لم تتخذ في مهلة محددة بالقوانين ….
فعلى كل ما تقدم ، والى حين اجراء تعديل الدستور لكثير من مواده ، فانه يتوجب على الرئيس حسّان دياب حسم امره والتعامل مع الواقع وتصريف اعمال حكومته وفقاً لما تصّرف به قبله رؤساء الحكومات السابقين وفقاً للتعاميم المذكورة أعلاه دون الطلب من مجلس النواب تفسير “المعنى الضيق لتصريف الاعمال” حيث لا صلاحية دستورية له لتفسير مواد الدستور أو لتحديد الاعمال التي يجوز للحكومة المستقيلة القيام بها ، ويبقى مطلب الرئيس دياب مطلباً سياسي غير دستوري ، وكان الاجدر به الطلب من مجلس النواب تعديل المادة /64/ من الدستور كي تحدد فيها الاعمال التي يحق للحكومة المستقيلة القيام بها وهكذا يصبح نصها واضحاً والاعمال محددة ، وبالتالي لا يعود له الحاجة بالعودة لتعاميم رؤساء الحكومات السابقين .